عدة المطلقة
عدة المطلقة من القضايا الشرعية المهمة التي أثارت الكثير من النقاشات بين الناس، خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية المتسارعة وازدياد حالات الطلاق في المجتمعات العربية. ولأن عدة المطلقة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بأحكام شرعية دقيقة، فإن فهمها فهما صحيحًا يعد أمرًا بالغ الأهمية لكل من الرجل والمرأة على حد سواء. إن عدة المطلقة ليست مجرد فترة زمنية تمكث فيها المرأة دون زواج بعد الطلاق، بل هي فترة شرعية تحمل في طياتها معاني كبيرة تتعلق بالعِفّة، والتحقق من البراءة، وإعطاء الفرصة للمراجعة، وتنظيم العلاقات الأسرية.
إن الحديث عن عدة المطلقة لا يقتصر على الناحية الدينية فقط، بل يمتد ليشمل أبعادًا نفسية واجتماعية وقانونية، حيث نجد أن عدة المطلقة تراعي في تفاصيلها أحوال المرأة، سواء كانت حاملاً أو غير حامل، مدخولًا بها أو غير مدخول بها. ومع اختلاف الحالات، تبقى عدة المطلقة ثابتة في جوهرها، وإن اختلفت مدتها أو شروطها باختلاف الظروف.
ومن المهم أن نوضح أن عدة المطلقة تنقسم إلى عدة أنواع، منها عدة المطلقة الرجعية، وعدة المطلقة البائن بينونة صغرى، وعدة المطلقة البائن بينونة كبرى، ولكل نوعٍ منها أحكامه الخاصة. كما أن الفقهاء قد اجتهدوا في شرح تفاصيل عدة المطلقة ومتى تبدأ ومتى تنتهي، وشروط الالتزام بها، وما يترتب على مخالفتها.
كما أن عدة المطلقة تعتبر حماية للأنساب، وضمانًا لاستقرار المجتمع، إذ أن تطبيق أحكام عدة المطلقة بدقة يمنع التداخل في الأنساب ويصون كرامة المرأة، ويعطي فرصة للتفكير والتروي. وإن تأملنا في فلسفة عدة المطلقة نجد أنها تُعبر عن رحمة التشريع الإسلامي بالمرأة، حيث تراعي حالتها النفسية بعد الطلاق وتمنحها الوقت اللازم لاستعادة توازنها النفسي والعاطفي.
ولأن عدة المطلقة تخضع لتفصيلات دقيقة، يجب أن نعي جيدًا الفرق بين عدة المطلقة الحامل وعدة المطلقة غير الحامل، وبين عدة المطلقة في الزواج الصحيح وعدة المطلقة في الزواج الفاسد أو المختلف عليه، فكل حالة من تلك الحالات تؤثر على تحديد طبيعة وعدد الأشهر أو القروء التي تنتظرها المرأة.
ومع تكرار الحديث في المجالس العامة والإعلام عن حقوق المرأة، لا بد من التأكيد على أن عدة المطلقة من أهم حقوقها الشرعية التي لا يجوز التغاضي عنها. وفي هذا الإطار، تُعَد التوعية بأحكام عدة المطلقة واجبًا على المؤسسات الدينية والتعليمية، لتصحيح المفاهيم المغلوطة الشائعة بين الناس.
كما أن التشريعات القانونية الحديثة في بعض الدول العربية بدأت تأخذ في الاعتبار التطبيق العملي لأحكام عدة المطلقة، سواء في توثيق الطلاق أو في إثبات الحمل أو في تحديد النفقة خلال فترة العدة. وفي كل ذلك، يبقى الأصل هو الالتزام بما ورد من نصوص شرعية صريحة تخص عدة المطلقة.
ماهي عدة المطلقة وماهي شروطها ؟
عدة المطلقة هي الفترة الزمنية التي يجب على المرأة أن تنتظرها بعد الطلاق قبل أن تتزوج مرة أخرى، وهي واجب شرعي نص عليه القرآن الكريم، وتهدف إلى التحقق من براءة الرحم من الحمل، وتمكين فرصة المراجعة في حال كان الطلاق رجعيًا، وصيانة للأنساب.
أولًا: أنواع عدة المطلقة حسب حالتها
إذا كانت المرأة حاملًا:
عدتها حتى تضع الحمل، سواء طالت المدة أو قصرت، لقوله تعالى:
“وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن”.
إذا كانت غير حامل ومدخولًا بها:
عدتها ثلاث حيضات إن كانت تحيض.
لقوله تعالى: “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”.
إذا كانت لا تحيض لصغر أو يأس من المحيض:
عدتها ثلاثة أشهر، لقوله تعالى:
“واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن”.
إذا لم يتم الدخول بها بعد عقد الزواج:
فلا عدة عليها، لقوله تعالى:
“يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها”.
ثانيًا: شروط عدة المطلقة
- أن يكون الطلاق صحيحًا شرعيًا: أي صادرًا عن زواج صحيح وبصيغة صحيحة.
- أن يكون الطلاق قد وقع بالفعل: فلا تجب العدة على مجرد النية أو الوعد.
- أن تكون المرأة قد دخل بها الزوج: إلا في حالة الحمل.
- أن تلتزم المعتدة بأحكام العدة
- عدم الزواج حتى انقضاء العدة.
- المكوث في بيت الزوجية (في العدة الرجعية).
- الامتناع عن الزينة والخروج دون ضرورة في بعض أنواع العدة.
لماذا عدة المطلقة 3 شهور ؟
عدة المطلقة تكون ثلاثة أشهر في حالتين محددتين وردتا في القرآن الكريم، وليس بشكل عام لجميع المطلقات. السبب في جعل عدة المطلقة 3 شهور يعود إلى الحكمة الشرعية المرتبطة بـ:
الحالات التي تكون فيها العدة 3 شهور:
- إذا كانت المرأة لا تحيض بسبب صغر السن أو انقطاع الحيض (اليأس).
- إذا كانت صغيرة ولم تبلغ بعد (لم تحض).
- وقد ورد ذلك صريحًا في قوله تعالى:
“واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن”
[سورة الطلاق – الآية 4].
الحكمة من جعل العدة 3 شهور:
التحقق من براءة الرحم من الحمل:
المرأة التي لا تحيض لا يمكن معرفة حملها عن طريق الحيض، فتم تحديد 3 أشهر كمدة كافية لظهور علامات الحمل إن وجد.
الاحتياط للأنساب:
التشريع الإسلامي يحرص على ألا تختلط الأنساب، فجعل العدة وسيلة للتأكد من عدم وجود حمل يربط المرأة بزوجها السابق.
التأديب والاعتبار:
في بعض الأحوال، تكون العدة وسيلة لمراجعة النفس وإعطاء مهلة للزوجين لتقدير الموقف، خاصة في حال الطلاق الرجعي.
حفظ حق الزوج السابق:
حتى لا تتزوج المرأة مباشرة بعد الطلاق مما قد يسبب اضطرابًا في العلاقات والحقوق، جاءت العدة كضمانة لهذا الحق.
عدة المطلقة تكون 3 شهور فقط في الحالات التي لا يمكن فيها معرفة الحمل عبر الحيض، وذلك لتحقيق أغراض شرعية واضحة.
الطلاق البائن
الطلاق البائن هو أحد أنواع الطلاق في الشريعة الإسلامية، ويقصد به الطلاق الذي ينهي العلاقة الزوجية فور وقوعه ولا يحق للزوج أن يُرجع زوجته إلى عصمته خلال العدة إلا بعقد ومهر جديدين، وقد يكون بائنًا بينونة صغرى أو كبرى.
وفيما يلي توضيح لأنواعه:
أنواع الطلاق البائن:
1. الطلاق البائن بينونة صغرى:
- هو الطلاق الذي يقع للمرة الأولى أو الثانية دون أن يسبق بثلاث طلقات.
- لا يملك الزوج فيه حق الرجعة خلال العدة إلا برضا الزوجة وبعقد ومهر جديدين.
- مثل: الطلاق بحكم المحكمة أو الطلاق على الإبراء أو الطلاق قبل الدخول.
2. الطلاق البائن بينونة كبرى:
يقع بعد الطلقة الثالثة، ويُحرم على الزوج أن يراجع زوجته إلا بعد أن تتزوج من رجل آخر زواجًا صحيحًا ويدخل بها ثم يطلقها برغبة منه دون تدبير.
هذا النوع من الطلاق يُنهي العلاقة الزوجية نهائيًا حتى يتحقق شرط الزواج الجديد والانفصال.
أمثلة على الطلاق البائن:
- الطلاق قبل الدخول.
- الطلاق مقابل الإبراء أو التنازل عن حقوق.
- الطلاق بحكم قضائي (كالخلع أو الطلاق لاستحالة العشرة).
- الطلقة الثالثة بعد سابقتها.
عدة الحامل المطلقة
عدة الحامل المطلقة في الشريعة الإسلامية هي الفترة التي تنتظر فيها المرأة بعد الطلاق قبل أن يسمح لها بالزواج مرة أخرى، وتُحسب بالنسبة للحامل على وجه مخصوص.
عدة الحامل المطلقة:
نص القرآن الكريم صريح في هذه المسألة، قال الله تعالى في سورة الطلاق:
“وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن”
أي أن عدة المرأة الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء كان الطلاق رجعيًا أو بائنًا، وسواء طال الحمل أو قصر، وسواء كانت في بداية الحمل أو نهايته.
أمثلة:
إذا طلقت وهي في الشهر الأول من الحمل، فعدتها تستمر حتى الولادة (قد تصل إلى 8 أشهر).
إذا طلقت وهي في الشهر التاسع وولدت بعد يومين، فإن عدتها تنتهي بالولادة فورًا.
ملاحظات مهمة:
لا يشترط انقضاء 3 حيضات أو 3 أشهر كما في عدة غير الحامل.
تنطبق هذه القاعدة سواء كان الطلاق بائنًا أو رجعيًا.
في حالة وفاة الزوج والحمل قائم، فإن عدة الوفاة للحامل أيضًا تنتهي بالولادة، وليس بعد أربعة أشهر وعشرة أيام.
حدود العلاقة بين الزوجين في عدة الطلاق الرجعي
في الطلاق الرجعي، تظل العلاقة بين الزوجين قائمة خلال فترة العدة ضمن ضوابط حددها الشرع، حيث لا يُعتبر الطلاق قد أنهى الزواج فعليًا إلا بانتهاء العدة دون رجعة. وفيما يلي توضيح حدود العلاقة بين الزوجين في عدة الطلاق الرجعي:
1. استمرار رابطة الزوجية:
في الطلاق الرجعي، تظل الزوجة في حكم الزوجة شرعًا طوال فترة العدة.
يجوز للزوج أن يُراجع زوجته في أي وقت خلال العدة دون الحاجة إلى عقد جديد أو مهر جديد، بشرط ألا تكون تلك الطلقة الثالثة.
2. الإقامة والمعاشرة:
يجب على الزوج أن يُبقي زوجته في مسكن الزوجية خلال العدة، ولا يجوز إخراجها، قال الله تعالى:
“لا تُخرِجوهنّ من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنة” (الطلاق: 1).
يجوز للزوج معاشرة زوجته جنسيًا خلال العدة، وتُعتبر هذه المعاشرة رجعة فعلية حتى دون تصريح لفظي، بشرط أن تكون بنيّة الرجعة أو في سياقها.
3. النفقة والسكنى:
الزوج ملزم شرعًا خلال عدة الطلاق الرجعي بـ:
النفقة الكاملة (مأكل، ملبس، علاج…).
السكنى في بيت الزوجية.
لأن الزوجة لا تزال في عصمته، وليست أجنبية عنه.
4. حقوق الرجعة:
يمكن للزوج أن يُرجع الزوجة:
قولًا: كأن يقول “أرجعتك إلى عصمتي”.
فعلًا: مثل الجماع أو مقدماته مع نية الرجعة.
5. ما لا يجوز:
لا يجوز للزوج إجبار زوجته على الخروج من بيت العدة.
لا يجوز له المماطلة في إعلان الرجعة أو حرمانها من حقوقها الشرعية خلال العدة.
لمعرفة عدة المطلقة لا تتردد في التواصل مع مكتب الاستاذ / سعد فتحي سعد المحامى
مؤسس منصة المحامي الرقمية علي الرقم التالي :
📞 01211171704
عنوان المكتب : 183 شارع التحرير عمارة ستراند باب اللوق وسط البلد / القاهرة / مصر
متي تسقط عدة المطلقة ؟
عدة المطلقة لا تسقط إلا بتحقق سبب من الأسباب التي تنهيها شرعًا، فهي فريضة قررها القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يجوز إسقاطها باتفاق أو رغبة شخصية. ومع ذلك، فإن انتهاء العدة (وليس سقوطها) يختلف بحسب حالة المرأة، وفيما يلي التفصيل:
متى تنتهي (أو تسقط وجوبًا) عدة المطلقة؟
1. إذا كانت غير حامل:
المطلقة طلاقًا رجعيًا أو بائنًا بعد الدخول:
عدتها ثلاث حيضات إن كانت تحيض.
تنتهي العدة بانقضاء ثلاث حيضات كاملة.
إذا كانت لا تحيض لصغر أو يأس (انقطاع الطمث): عدتها ثلاثة أشهر. تنتهي العدة بانقضاء ثلاثة أشهر قمرية.
2. إذا كانت حاملًا:
العدة تستمر حتى وضع الحمل كاملًا،
سواء استغرق الحمل أيامًا أو شهورًا،
وتنتهي فور الولادة.
3. إذا كان الطلاق قبل الدخول:
لا عدة على المطلقة إطلاقًا.
قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها” (الأحزاب: 49).
هل يمكن إسقاط العدة قانونًا؟
لا. لا يجوز قانونًا ولا شرعًا إسقاط العدة، لأنها حق لله تعالى، وليست فقط حقًا للزوج أو الزوجة.
