اركان التحريات
في سياق البحث القانوني والتحليل الجنائي، تبرز أهمية اركان التحريات باعتبارها الأساس القانوني الذي تُبنى عليه شرعية الإجراءات الجنائية. إن فهم اركان التحريات فهماً دقيقاً يُشكل فارقاً كبيراً في تقييم مدى سلامة الإجراءات التي تباشرها سلطات التحقيق. فـ اركان التحريات ليست مجرد وسيلة شكلية بل هي ركيزة جوهرية لا غنى عنها في أي قضية جنائية تتطلب تحقيقاً مبدئياً.
إن القواعد الحاكمة لـ اركان التحريات تمثل الضمانة الأولى لاحترام الحقوق والحريات، وهي الحاجز القانوني الذي يحول دون التعسف أو الخطأ في استخدام السلطة. وقد أكدت محكمة النقض مراراً على ضرورة توافر اركان التحريات بشكل حقيقي ومشروع، لا صورياً أو شكلياً، لضمان مشروعية ما يليها من إجراءات.
إن التحقيقات التي تفتقر إلى اركان التحريات السليمة تُعد باطلة، ويترتب على ذلك بطلان ما يُبنى عليها من أوامر أو إجراءات. لذلك فإن فحص اركان التحريات يُعد خطوة مركزية في تقييم الأدلة الجنائية. ولا تقتصر أهمية اركان التحريات على النيابة العامة فقط، بل تمتد إلى القاضي الجنائي الذي يبني قناعته على أساس مشروعيتها.
في الواقع العملي، نلاحظ أن كثيرًا من الدفوع القانونية تركز على الطعن في اركان التحريات، سواء لعدم الجدية أو القصور أو عدم كفاية المعلومات. وهذا ما يجعل تحليل اركان التحريات ضرورة فنية قبل أن تكون إجراءً شكليًا.
وتختلف اركان التحريات من واقعة لأخرى، وفقًا لطبيعة الجريمة وظروفها وملابساتها، ولكن تبقى القواعد العامة الحاكمة لـ اركان التحريات ثابتة، من حيث ضرورة الجدية، وتوافر معلومات كافية، وقيام مأمور الضبط القضائي بدوره بمسؤولية.
وتعد النية والغاية من اركان التحريات أحد أهم الضمانات التي يجب مراعاتها، إذ لا يصح أن تستخدم اركان التحريات كذريعة لانتهاك خصوصيات الأفراد دون سبب جاد. لذلك، فإن قضاة الموضوع عند نظرهم لأي طعن على الإجراء، يراجعون أولًا مدى صحة اركان التحريات قبل أي شيء.
ومن هنا يتضح أن اركان التحريات تمثل خط الدفاع الأول عن حرية المواطن، وهي الأداة التي إن صحت، صح ما بعدها من إجراءات. أما إن اختلت اركان التحريات، فإن كل ما بني عليها يصبح معرضًا للبطلان.
ماهي تحريات المباحث ؟
تحريات المباحث هي عملية جمع معلومات تُجريها أجهزة البحث الجنائي، مثل مباحث الشرطة، بهدف التوصل إلى حقيقة واقعة جنائية، أو التحقق من صحة بلاغ، أو التأكد من شخصية المشتبه فيه، وذلك تمهيدًا لاتخاذ إجراءات قانونية مثل إصدار إذن تفتيش أو ضبط أو حتى تحريك الدعوى الجنائية.
تعريف تحريات المباحث:
هي نشاط استدلالي يقوم به مأمور الضبط القضائي، بغرض جمع المعلومات والبيانات حول جريمة وقعت بالفعل أو يُشتبه في وقوعها، وتحديد هوية مرتكبها وظروفها، دون أن تتضمن إجراءات قانونية إجبارية مثل القبض أو التفتيش.
خصائص تحريات المباحث:
- عمل سري واستدلالي: لا تجرى أمام المتهم، ولا تُخطر بها الأطراف مسبقًا.
- ليست دليلاً قاطعًا بذاتها: بل يجب أن تؤيدها أدلة أخرى.
- يمكن أن تؤسس لإجراءات قضائية: مثل إذن النيابة بالتفتيش أو القبض، بشرط أن تكون جدية وكافية.
- صادرة من جهة مختصة: يجب أن تصدر من مأمور ضبط قضائي مختص قانونًا.
هل تحريات المباحث دليل اثبات ؟
تحريات المباحث تعد من الوسائل الاستدلالية الهامة، لكنها ليست دليل إثبات مستقل بذاته، بل هي خطوة تمهيدية تُستخدم لتحريك الدعوى الجنائية أو لاستصدار إذن من النيابة العامة، ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها في الإدانة ما لم تُعزز بأدلة أخرى. ومع ذلك، فإن قوة تحريات المباحث ترتبط أساسًا بمدى توافر اركان التحريات التي تجعلها جديرة بالاعتبار القانوني.
إن اركان التحريات تمثل الأساس الذي يُقيم عليه القاضي مدى جدية التحريات، ومدى مشروعية ما ترتب عليها من إجراءات. فإذا كانت اركان التحريات مكتملة – من حيث الجدية، والتفصيل، والمصدر الموثوق فإنها قد تساهم بشكل قوي في تكوين عقيدة المحكمة، لكن وحدها لا تكفي لإثبات التهمة دون أدلة مادية أو شهادة شهود.
وقد أكدت محكمة النقض في العديد من أحكامها أن تحريات المباحث – حتى وإن استوفت اركان التحريات – لا ترقى إلى مستوى الدليل الكامل، بل تُعد قرينة يجوز للمحكمة أن تعزز بها اقتناعها، إذا جاءت مدعومة بوسائل إثبات أخرى. والفيصل دائمًا هو مدى اكتمال اركان التحريات من حيث كونها صادرة عن جهة مختصة، ومبنية على معلومات حقيقية، وليست مجرد أقوال مرسلة أو استنتاجات شخصية.
وإذا غابت اركان التحريات، أو شابها القصور أو التناقض أو التعميم، فإن ما يُبنى عليها من إجراءات يصبح عرضة للبطلان، بما في ذلك الإذن بالتفتيش أو القبض. لذلك تشكل اركان التحريات ضمانة جوهرية لحماية الحريات، وضابطًا ضروريًا لتقدير مدى قانونية التدخل في الحقوق الشخصية.
وبالتالي، فإن الإجابة الدقيقة هي: تحريات المباحث لا تعد دليل إثبات مستقل، وإنما هي وسيلة استدلال يشترط لقبولها اكتمال اركان التحريات، ولا يجوز للمحكمة أن تُقيم حكمها بالإدانة استنادًا إلى تحريات فقط، ما لم تكن تلك التحريات مدعومة بأدلة مادية أو قرائن قوية، ومستوفية لكافة اركان التحريات اللازمة قانونًا.
مالذي يبطل التحريات ؟
تبطل التحريات إذا اختلت أو غابت اركان التحريات الجوهرية التي يجب توافرها في كل تحرٍ قانوني. إن اركان التحريات هي الأساس الذي تقوم عليه مشروعية التحري، فإذا انتفى أحدها أصبحت التحريات باطلة وغير صالحة للاستدلال أو لاتخاذ أي إجراء قانوني، مثل التفتيش أو القبض أو تحريك الدعوى.
وفيما يلي أهم الأسباب التي تؤدي إلى بطلان التحريات، مع التركيز على ارتباط كل منها بنقص أو غياب في اركان التحريات:
1. التحريات المرسلة دون بيان للمصدر
إذا جاءت التحريات مرسلة أو مبهمة ولم توضح مصدر المعلومات، فإنها تُعد باطلة. فـ اركان التحريات تقتضي أن يكون هناك مصدر محدد (شاهد – مراقبة – متابعة – اعتراف – معلومات سرية موثوقة) وليس مجرد أقوال مرسلة أو ظنون شخصية من ضابط المباحث.
2. التحريات غير الجادة
إذا افتقدت التحريات عنصر الجدية، بأن كانت مبنية على تخمين أو استنتاج غير مستند إلى معلومات واقعية، فهي باطلة. الجدية من أهم اركان التحريات، وغيابها يعني أن ما قام به الضابط لا يرقى إلى مرتبة التحري القانوني.
3. التحريات غير المفصلة
من اركان التحريات الأساسية أن تكون مفصلة ومحددة، لا أن تكون عامة أو مجملة. فإذا لم تتضمن الوقائع والملابسات بدقة، ولم تحدد دور المشتبه فيه بوضوح، فإنها تُعتبر تحريات قاصرة وغير منتجة.
4. التحريات الصادرة من جهة غير مختصة
إذا صدرت التحريات من شخص لا يملك صفة مأمور الضبط القضائي، فهي باطلة. من اركان التحريات أن تُجريها جهة رسمية ذات صفة قانونية، مثل ضباط المباحث المخولين.
5. التحريات المخالفة للواقع أو للأدلة
إذا ثبت من الأدلة أو الوقائع أن التحريات خاطئة أو مخالفة للحقيقة، فإنها تسقط ولا يعتد بها. فالصحة والاتساق مع الواقع من الشروط الجوهرية في اركان التحريات.
6. عدم المعاصرة أو تأخر التحري
إذا تم التحري بعد فوات وقت الواقعة، أو بعد استصدار الإذن، فإن ذلك يُفقد التحريات قيمتها القانونية. التوقيت المناسب جزء أساسي من اركان التحريات، ويجب أن تكون سابقة للإجراء المطلوب لا لاحقة له.
7. غياب التسبيب أو ضعف المضمون
إذا لم تتضمن التحريات أسبابًا واضحة للاتهام، أو كانت خالية من مضمون حقيقي، فإنها تعتبر تحريات شكلية. ومن اركان التحريات أن تكون مُسَببة ومدعومة بمعلومات لا بافتراضات.
لمعرفة كل مايخص اركان التحريات
لا تتردد في التواصل مع مكتب الاستاذ / سعد فتحي سعد المحامى
مؤسس منصة المحامي الرقمية علي الرقم التالي :
📞 01211171704
عنوان المكتب : 183 شارع التحرير عمارة ستراند باب اللوق وسط البلد / القاهرة / مصر

شروط صحة تحريات المباحث
شروط صحة تحريات المباحث تعد الضمان الأساسي لاعتبار التحريات إجراء قانونيًا سليمًا يمكن أن يُبنى عليه إذن تفتيش أو ضبط أو تحريك دعوى جنائية. فلا يجوز الاعتماد على تحريات المباحث ما لم تكن مستوفية لكافة اركان التحريات التي تُكسبها القوة القانونية.
وفيما يلي الشروط الجوهرية لصحة تحريات المباحث، وكل شرط منها يمثل أحد اركان التحريات التي لا غنى عنها:
1. الجدية
أول وأهم اركان التحريات هي الجدية، ويقصد بها أن تكون التحريات مبنية على معلومات حقيقية توصل إليها مأمور الضبط القضائي من خلال مراقبة أو مصادر أو بحث ميداني، لا مجرد استنتاجات أو ظنون. التحريات التي تفتقر للجدية تُعد باطلة ولا يُعتد بها.
2. الوضوح والتفصيل
من شروط صحة التحريات أن تكون مفصلة لا عامة، وأن تتضمن بيانًا واضحًا بالأفعال محل الاتهام، وزمان ومكان ارتكابها، وهوية المشتبه فيه، ودوره في الواقعة. فالتفصيل من اركان التحريات الضرورية التي تُميز التحريات الجادة عن الشكلية.
3. أن تصدر عن جهة مختصة
يجب أن تصدر التحريات من مأمور ضبط قضائي مختص قانونًا، مثل ضباط المباحث التابعين لجهات وزارة الداخلية. فإذا نُسبت التحريات لشخص لا يملك هذه الصفة، فهي باطلة. الاختصاص أحد اركان التحريات التي يبنى عليها الاعتراف القانوني بصحتها.
4. قيامها على مصادر مشروعة
من أهم اركان التحريات أن تقوم على معلومات صادرة من مصادر مشروعة، سواء كانت مشاهدات مباشرة، أو اعترافات، أو مراقبة، أو بلاغات موثقة. أما التحريات المبنية على مصادر مجهولة أو غير قانونية فلا يعتد بها.
5. التوقيت المناسب
يجب أن تكون التحريات معاصرة للواقعة، أو سابقة للإجراء المطلوب كالضبط أو التفتيش. فإذا أتت التحريات بعد صدور الإذن أو بعد التنفيذ، فإنها تفقد أحد أهم اركان التحريات وهو التوقيت القانوني.
6. الاتساق مع الأدلة والوقائع
يشترط لصحة التحريات أن تكون متسقة مع باقي عناصر القضية وأدلتها. فإذا تعارضت مع الوقائع أو كانت مخالفة للمستندات أو الشهادات، فقدت مصداقيتها، وسقط أحد اركان التحريات المرتبط بالمشروعية والواقعية.
7. خلوها من التناقض
إذا تضمنت التحريات تناقضًا داخليًا في تسلسل الأحداث أو في وصف أدوار المتهمين، فهي تُعتبر قاصرة وغير جديرة بالاعتبار. التماسك الداخلي في المعلومات عنصر لا يتجزأ من اركان التحريات السليمة.
8. أن تكون مدعمة لا قائمة بذاتها
وأخيرًا، يجب أن يفهم أن تحريات المباحث – حتى مع توافر اركان التحريات لا تصلح وحدها كدليل إدانة، بل يجب أن تعززها أدلة مادية أو شهادة شهود. وهذا ما أكدته محكمة النقض مرارًا.
الملخص
لكي تعد التحريات صحيحة ومشروعة، يجب أن تتوافر فيها كل اركان التحريات وهي: الجدية، التفصيل، المشروعية، الواقعية، التوقيت، الصدور من جهة مختصة، وعدم التناقض، والاتساق مع الأدلة. فإذا اختل أي من هذه الأركان، أصبحت التحريات باطلة، وما يبنى عليها يعد غير قانوني.
اسباب بطلان تحريات المباحث ؟
أسباب بطلان تحريات المباحث ترجع أساسًا إلى غياب أو اختلال أحد أو بعض اركان التحريات التي تُشكّل الإطار القانوني الصحيح للتحري. فإذا لم تكن التحريات مستوفية لهذه الأركان، فإنها تُصبح باطلة ولا يُعتد بها أمام القضاء، كما لا يجوز أن يبنى عليها أي إجراء جنائي. وفيما يلي الأسباب القانونية والتطبيقية لبطلان تحريات المباحث، مع التركيز على ارتباطها بكل ركن من اركان التحريات:
1. التحريات المرسلة وغير المفصلة
إذا كانت التحريات مجرد أقوال عامة دون بيان واضح للوقائع أو تفصيل دور المتهم أو تحديد زمان ومكان الواقعة، فإنها تُعتبر تحريات قاصرة. وهذا القصور يُعد إخلالًا بركن التفصيل من اركان التحريات.
2. غياب الجدية
من الأسباب الرئيسية لبطلان التحريات أن تكون مبنية على الظن أو التخمين دون معلومات حقيقية أو مصادر واضحة. انعدام الجدية يُسقط التحريات بالكامل، لأنه يهدم ركن الجدية من اركان التحريات.
3. الصدور من جهة غير مختصة
إذا صدرت التحريات من شخص لا يملك صفة مأمور الضبط القضائي، فإنها تكون باطلة. فالاختصاص الوظيفي عنصر أساسي من اركان التحريات لا يجوز التنازل عنه.
4. التحريات المؤخرة أو اللاحقة للإجراء
إذا تم إعداد التحريات بعد تنفيذ الإجراء (مثل التفتيش أو القبض) وليست سابقة له، فإنها تفقد مشروعيتها. فشرط التوقيت القانوني أحد اركان التحريات الجوهرية، وأي تجاوز له يؤدي للبطلان.
5. التحريات التي تتعارض مع الأدلة أو الواقع
إذا ثبت أن التحريات خالفت الأدلة الفنية أو الشهادات أو الواقع المادي، فإنها تُعتبر غير صحيحة. المشروعية والاتساق مع الواقع من اركان التحريات التي لا تقبل الانفصال.
6. التحريات التي تفتقر إلى مصدر محدد
التحريات التي لا توضح مصدر المعلومات أو كيفية الوصول إليها تُعتبر مرسلة، ولا يُمكن التحقق من صدقها أو جديتها. وغياب المصدر يُسقط ركن المشروعية من اركان التحريات.
7. التحريات المتناقضة أو غير المنطقية
إذا شاب التحريات تناقض داخلي في الوقائع أو استنتاجات غير منطقية، فإن ذلك يُفقدها المصداقية. والتماسك المنطقي من الشروط المكملة في اركان التحريات.
8. عدم بيان صلة المتهم بالجريمة
إذا خلت التحريات من بيان العلاقة بين المتهم والجريمة، أو اكتفت بالقول إن “المتهم معروف بنشاطه” دون تفصيل، فإنها تكون باطلة. وهذا قصور في بيان العنصر الشخصي من اركان التحريات.
9. استنادها إلى مصدر مجهول أو كيدي
إذا استندت التحريات إلى وشاية أو بلاغ كيدي دون تحقق، فإنها تكون مشوبة بالبطلان، لأنها تفقد شرط المصداقية والمشروعية، وهما من أهم اركان التحريات.
10. عدم معاصرتها للواقعة
التحريات التي تصف وقائع لم تكن معروفة وقت تنفيذها، أو تتحدث عن أفعال بعد حدوثها بفترة طويلة، تفقد قيمتها القانونية، لأنها تخالف التوقيت القانوني أحد اركان التحريات.
الملخص
يبطل القضاء تحريات المباحث في الحالات التي تختل فيها اركان التحريات مثل الجدية، التفصيل، المشروعية، الواقعية، التوقيت، والاختصاص. والطعن ببطلان التحريات هو من أهم الدفوع الجنائية، ويؤثر بشكل مباشر على صحة الإجراءات التي تُبنى عليها، كإذن التفتيش أو أمر الضبط.
موضوعات قد تهمك
| 1 | مكتب محاماة مصري خدمات قانونية واستشارات معتمدة |
| 2 |
|
| 3 | |
| 4 | مكتب النائب العام للشكاوي |
انواع التحريات
أنواع التحريات تختلف باختلاف الغرض منها والمرحلة التي تُجرى فيها، وكذلك الجهة التي تقوم بها. وتُعد التحريات من أهم أدوات البحث الجنائي، لكنها لا تكون قانونية ولا يُعتد بها إلا إذا استوفت اركان التحريات الأساسية، مثل الجدية، المشروعية، التفصيل، التوقيت المناسب، والصدور من جهة مختصة.
وفيما يلي تفصيل لأنواع التحريات المعروفة في العمل الجنائي:
1. تحريات تمهيدية
وهي التحريات التي تجرى فور ورود بلاغ أو شكوى للجهات المختصة، وتهدف إلى التحقق من صحة الواقعة وتحديد ما إذا كانت تستحق بدء إجراءات جنائية. وتُعد من أبرز صور التحريات التي يجب أن تتوافر فيها اركان التحريات حتى يُعتد بها أمام النيابة.
2. تحريات لاحقة للجريمة
وهي التي تجرى بعد وقوع الجريمة للكشف عن الجاني، وجمع المعلومات عنه، وتحديد ظروف الواقعة وأدواتها وأسبابها. ويشترط لصحة هذا النوع من التحريات أن يكون مفصلًا ودقيقًا ومستندًا إلى وقائع، لا ظنون، وإلا أصبح باطلًا لفقدان أحد اركان التحريات.
3. تحريات بناءً على إذن قضائي
وفيها يكلف ضابط الشرطة بإجراء تحريات بناء على أمر من النيابة العامة أو قاضي التحقيق. وغالبًا ما يكون هذا النوع مطلوبًا عند الشك في نشاط معين، ويُشترط فيه اكتمال اركان التحريات من الجدية والمشروعية والمصدر المعلوم.
4. تحريات استعلامية أو وقائية
تجرى هذه التحريات بصفة دورية لرصد النشاط الإجرامي المحتمل أو مراقبة الأشخاص المعروفين بسوابق جنائية، دون وجود واقعة محددة. ويجب أن تتم وفقًا للقانون، وإلا عُدت مساسًا غير مشروعًا بالحريات العامة، أي أن غياب اركان التحريات يجعلها غير قانونية.
5. تحريات استخباراتية
تجريها الجهات الأمنية المختصة مثل الأمن الوطني أو المخابرات العامة، بهدف حماية الأمن القومي أو الكشف عن جرائم تمس أمن الدولة. رغم خصوصية هذا النوع، إلا أنه يجب أن يكون مستوفيًا لـ اركان التحريات إذا ما استُخدم في قضايا أمام القضاء.
6. تحريات في قضايا المخدرات والأسلحة
تتطلب هذه القضايا نوعًا خاصًا من التحريات بسبب طبيعتها السرية وخطورتها، ويشترط فيها دقة المعلومات، وتحديد أماكن الترويج أو الإخفاء، وهوية المتعاملين، والمدة الزمنية، حتى تكون التحريات مقبولة قانونًا ومستوفية لـ اركان التحريات.
7. تحريات مالية أو مصرفية
يكلف فيها الضابط أو جهة مختصة بالتحري عن مصادر أموال شخص ما أو حركة حساباته في قضايا غسل الأموال أو الكسب غير المشروع. وتعد من أخطر أنواع التحريات وتحتاج إلى إذن قضائي وتدقيق في تنفيذ اركان التحريات بدقة.
8. تحريات في القضايا الأسرية والمدنية
رغم أنها نادرة، قد تطلب النيابة أو المحكمة إجراء تحريات اجتماعية أو ميدانية في قضايا مثل النفقات أو الأحوال الشخصية أو إثبات الإقامة. وحتى في هذه التحريات غير الجنائية، يجب احترام اركان التحريات خاصة من حيث الحياد والمصدر.
المصدر السري في التحريات
المصدر السري في التحريات هو أحد الوسائل التي يعتمد عليها مأمور الضبط القضائي في جمع المعلومات أثناء إجراء التحريات، ويقصد به الشخص الذي يُدلي بمعلومات عن وقائع أو أشخاص مشتبه بهم دون الكشف عن هويته، حفاظًا على سلامته أو سريّة البلاغ. ورغم أهمية المصدر السري في العمل الجنائي، إلا أن الاعتماد عليه لا يُغني عن ضرورة استيفاء باقي اركان التحريات، مثل الجدية والمشروعية والتفصيل والتوقيت.
تحريات المباحث في الجنح
تحريات المباحث في الجنح تعد إجراءً استدلاليًا يقوم به مأمور الضبط القضائي بهدف جمع المعلومات حول واقعة تشكل جريمة من نوع الجنح، أي الجرائم التي لا تتجاوز العقوبة المقررة لها الحبس لمدة ثلاث سنوات أو الغرامة. ورغم أن طبيعة الجنح أقل خطورة من الجنايات، إلا أن التحريات تظل عنصرًا مهمًا في مرحلة جمع الاستدلالات، بشرط أن تكون مستوفية لكافة اركان التحريات.
أولًا: دور التحريات في قضايا الجنح
- في قضايا الجنح، تقوم تحريات المباحث ببيان ملابسات الواقعة، وتحديد المتهمين، وتوضيح ظروف ارتكاب الجريمة.
- تستخدم هذه التحريات لتدعيم شكوى أو بلاغ مقدم إلى النيابة العامة.
- قد يبنى عليها قرار الحفظ أو الإحالة للمحاكمة إذا توفرت فيها اركان التحريات القانونية.
ثانيًا: قيمة تحريات المباحث في الجنح
- ليست دليلًا بذاتها: لا يجوز الاعتماد على تحريات المباحث وحدها في الحكم بالإدانة في الجنح، إلا إذا دعمتها أدلة أخرى كالشهادة أو المستندات أو المعاينة.
- أداة استدلال لا حسم: التحريات في الجنح أداة لجمع المعلومات، لكنها لا تُعتبر قاطعة في الإثبات، ولو استوفت اركان التحريات، بل تُستخدم لتقدير مدى جدية البلاغ أو صحة الاتهام.
ثالثًا: شروط صحة تحريات المباحث في الجنح
لكي تكون التحريات صالحة للاعتداد بها في قضايا الجنح، يجب أن تتحقق فيها اركان التحريات التالية:
- الجدية: يجب أن تظهر التحريات أنها بنيت على مصادر حقيقية وجهد فعلي، لا أقوال مرسلة.
- التفصيل: أن توضح التحريات زمان ومكان الواقعة، ودور كل طرف فيها، لا أن تكتفي باتهامات عامة.
- المشروعية: يجب أن تتم التحريات بوسائل قانونية دون اعتداء على الحريات أو انتهاك الخصوصية.
- التوقيت: يجب أن تكون التحريات معاصرة للواقعة أو سابقة على الإجراء الذي تُبنى عليه.
- الاختصاص: أن تصدر التحريات من ضابط مختص قانونًا.
كيفية التظلم من تحريات المباحث ؟
التظلم من تحريات المباحث هو وسيلة قانونية يلجأ إليها المتهم أو دفاعه للطعن على صحة وقانونية التحريات التي أجراها ضابط المباحث، والتي قد تكون قد ترتب عليها إذن بتفتيش أو ضبط أو إحالة إلى المحاكمة. والهدف من التظلم هو إثبات بطلان التحريات لعدم استيفائها اركان التحريات القانونية، مما يؤدي غالبًا إلى استبعادها من الأدلة أو بطلان الإجراءات التي ترتبت عليها.
طرق التظلم من تحريات المباحث
1. أثناء التحقيق أمام النيابة العامة
- يمكن للمتهم أو محاميه الاعتراض على التحريات في محضر التحقيق.
- يطلب من النيابة مناقشة محرر التحريات لمواجهته بالقصور أو التناقض أو غياب التفاصيل.
- يقدم طلب استدعاء ضابط الواقعة لسؤاله عن مصدر المعلومات وطريقة التحري.
2. عن طريق مذكرة دفاع أمام المحكمة
- يمكن تقديم مذكرة قانونية تتضمن دفعًا ببطلان التحريات.
- يستند فيها إلى نصوص القانون وأحكام النقض التي تشترط توافر اركان التحريات.
- تفند فيها عيوب التحريات واحدة تلو الأخرى.
3. أثناء الجلسات والمرافعة
- يثار الدفع شفويًا أمام المحكمة: مثلًا ندفع ببطلان تحريات المباحث لكونها مرسلة وغير جادة، ولا تستوفي اركان التحريات اللازمة قانونًا.
- يمكن التمسك بسماع شهادة محرر التحريات لمناقشته وإثبات أن ما ذكره يخالف الواقع أو لا أساس له من الصحة.
احكام نقض في عدم جدية التحريات
وان كان اساس الاحكام الجنائية هو حرية قاضى الموضوع فى تقدير الادلة القاعة فى الدعوى الا انه يرد على ذلك يقود منها ان يدلل القاضى أى بالدليل وليس بالاستدلال على صحة عقيدته فى اسباب حكمة بالأدلة وليس بمحض قرائن او الاستدلالات تؤدى الى ما رتبه عليها لا يشوبها خطا فى الاستدلال او تناقض او تعادل
نقض 2/4/1957 – س 8 – 93 – 352
الطعن رقم 5333 لسنه 73 ق تاريخ 18/2/2004
و قضت أيضا محكمة النقض أنه
وجدير بالذكر أن محكمه النقض تنبسط رقابتها على صحه استدلال المحكمة و صواب استنباطها للأدلة المطروحة عليها فإذا كانت قد اعتمدت على دليل لا يجوز ان يؤسس قضاءها عليه فان حكمها يكون باطلا
لابتنائه على اساس فاسد اذ يتعين ان تكون كافه الأدلة التى اقيم عليها قضاء الحكم وقد سلمت من عوار الفساد فى الاستدلال أو التعسف فى الاستنتاج وهو مالم يسلم منه الحكم الطعين ولهذا كان معيباً واجب النقض والإعادة)
نقض 23/2/1983 – س 34 – رقم 53 – ص 274 – طعن 6453 لسنه 52 ق
نقض 13/6/1985 – س 36 – رقم 138 – ص 782- طعن رقم 6335 لسنه 55 ق
تحريات المباحث كدليل اثبات
تحريات المباحث كدليل إثبات تعد من المسائل التي أثارت جدلًا واسعًا في التطبيق العملي والقضاء الجنائي، نظرًا لطبيعتها الاستدلالية وعدم كونها دليلًا مباشرًا. ورغم أهميتها في تمهيد الطريق للإجراءات الجنائية، فإنها لا تعد دليلًا قائمًا بذاته على الإدانة، ما لم تستوفِ اركان التحريات القانونية، وتُعزز بأدلة أخرى مادية أو شهادة شهود.
أولًا: ما هي طبيعة تحريات المباحث؟
- تحريات المباحث عمل استدلالي تمهيدي، يقوم به مأمور الضبط القضائي لجمع معلومات حول واقعة أو مشتبه فيه.
- هي وسيلة للكشف عن الجريمة وليس لإثباتها بشكل قاطع.
- لا تعد من أدلة الإثبات المباشرة كالاعتراف، أو المعاينة، أو التقرير الفني.
ثانيًا: متى تقبل تحريات المباحث كدليل إثبات؟
يمكن للمحكمة الاعتداد بتحريات المباحث ضمن الأدلة إذا توافرت فيها الشروط الآتية:
- أن تكون التحريات جادة وحقيقية، وليست مبنية على الظن أو الشك.
- أن تكون مفصلة وواضحة، وتحدد صلة المتهم بالواقعة.
- أن تصدر عن جهة مختصة، مثل ضابط مباحث له صفة الضبط القضائي.
- أن تكون معززة بأدلة أخرى، مثل شهادة أو تقرير فني.
- أن تستوفي جميع اركان التحريات: الجدية، المشروعية، التوقيت، التفصيل، الاختصاص.
- إذا توفرت هذه المعايير، يمكن أن تُعامل التحريات كقرينة تؤيد الاتهام، وليس كدليل وحيد.
ثالثًا: متى لا تعد تحريات المباحث دليلًا على الإدانة؟
- إذا جاءت مرسلة (دون مصدر أو تفاصيل).
- إذا استندت إلى أقوال مجهولة أو مصدر سري دون تحقق.
- إذا خالفت الواقع أو تعارضت مع أدلة مادية.
- إذا كانت التحريات هي الدليل الوحيد على الاتهام.
وقد قضت محكمة النقض بأن:
التحريات وحدها لا تصلح لأن تكون دليلًا على ثبوت التهمة، ما لم تؤيدها أدلة أخرى.
بطلان تحريات المباحث في النفقة
بطلان تحريات المباحث في قضايا النفقة من الدفوع الشائعة في دعاوى الأحوال الشخصية، حيث تعتمد المحكمة في تقدير نفقة الزوجة أو الأبناء على تحريات المباحث لتحديد دخل الزوج الحقيقي أو التقديري. ورغم أن هذه التحريات تستخدم كوسيلة مساعدة، إلا أنها كثيرًا ما تكون معرضة للبطلان إذا لم تُستوفَ فيها أركان التحريات الجوهرية، مثل الجدية، الدقة، التفصيل، والمصدر الموثوق.
أولًا: طبيعة تحريات المباحث في قضايا النفقة
- الغرض منها: تحديد مستوى دخل الزوج (أو الزوجة إذا كانت مُدعى عليها).
- تجرى بناءً على تكليف من المحكمة.
- تعتمد أحيانًا في إصدار حكم مؤقت بالنفقة أو تقدير نفقة مؤقتة.
ثانيًا: متى تكون تحريات المباحث باطلة في دعوى النفقة؟
1. إذا كانت التحريات مرسلة أو عامة
مثال: أن يذكر أن “الزوج يعمل تاجرًا ويدخله جيد” دون تحديد مصدر الدخل أو قيمته.
هذا إخلال بركن التفصيل من أركان التحريات.
2. الاعتماد على أقوال الجيران دون تحقق
كثيرًا ما تعتمد التحريات على آراء أو تخمينات من الجيران أو المحيطين دون دليل مادي.
في هذه الحالة، تغيب الجدية والمصدر القانوني، مما يُبطل التحريات.
3. صدورها من غير جهة مختصة
إذا لم تحرر التحريات بواسطة موظف مأمور ضبط قضائي مختص (مثل معاون مباحث أو شرطة قسم الأسرة)، تصبح غير معترف بها قانونًا.
هذا يُخل بركن الاختصاص.
4. تضاربها مع أوراق رسمية أو أدلة مادية
مثل وجود بيان دخل من جهة العمل يخالف ما جاء في التحريات.
عندئذ تعد التحريات غير مطابقة للواقع وتسقط قيمتها الاستدلالية.
5. تحريات سريعة وغير ميدانية
إذا ثبت أن التحري لم يتم ميدانيًا ولم يشمل زيارة محل الإقامة أو العمل، بل جُمع من مصادر مكتبية أو عبر الهاتف.
هذا يفقد التحريات المشروعية والحيادية.
ثالثًا: موقف القضاء من تحريات النفقة
محكمة استئناف الأسرة ومجلس الدولة أكدا في عدة أحكام أن:
“تحريات المباحث في دعاوى النفقة لا يُعتد بها إلا إذا كانت مبنية على معاينة ميدانية جدية، ومؤيدة بأدلة أو قرائن واقعية وأن التحريات التي تعتمد على أقوال مرسلة أو دون تحقق لا تصلح وحدها لتقدير دخل الزوج.
رابعًا: دفع قانوني ببطلان التحريات في دعوى نفقة
ندفع ببطلان تحريات المباحث المقدمة في الدعوى لكونها جاءت مرسلة وغير مفصلة، ولم تبين بدقة مصادر دخل المعلن إليه أو قيمة دخله التقديري، كما أنها خلت من معاينة ميدانية أو تحقيق فعلي من الجهة المختصة، مما يجعلها مفتقرة لأركان التحريات الجوهرية المقررة في قضاء محكمة النقض، ويُرجى استبعادها من عناصر تقدير النفقة.
خامسًا: البدائل العملية للطعن على التحريات
- تقديم بيان مفردات مرتب رسمي من جهة العمل.
- الاستعانة بشهادة الشهود عن طبيعة دخل الزوج.
- طلب إعادة التحري بواسطة جهة أخرى (مباحث الأموال العامة – التحريات الإدارية).
- تقديم مستندات مالية (حسابات – تعاملات – فواتير).





